ما ذكرته في مقال سابق عن الصناعة السعودية وأنها من أكبر الأنشطة الاقتصادية الموجودة واحتمالات نموها المستمر، يعطي الأمل للتوسع في توظيف المدخلات والموارد المتاحة فيها. لكن السؤال المهم: ما أسباب سيرنا بخطى عطلت انطلاق الصناعة كما يجب؟ ربما يمكن تدارك ذلك حاليا لتحويل المسار الصناعي. وإذا لم يلاحظ البعض وضع الصناعة الخطير حاليا، فهدفنا هنا توضيح الأسباب، ودعم الدولة هو السبب الأول والأخير لوجود الصناعة، وأي مستثمر دخل السوق منذ عام ١٩٧٥ دخله لأن الدولة ساندت الصناعة بالدعم، ولم تطلب توطين الوظائف في ذلك الوقت. انطلقت الصناعة في كل المجالات ولكن لم توضع إستراتيجية حقيقية؛ لأن الصناعي كان سعيدا بالإنجاز والحكومة أسعد بمستثمر يوظف أمواله في مجال إنتاجي يضيف للناتج القومي الكلي. اليوم الوضع اختلف هنالك قطاعات تخسر بسبب المنافسة الحقيقية من الخارج. نحن لم نتدهور ولكن المنافس تطور وتحسن وتحول، بينما معظم صناعاتنا مكانك سر، ولم نستغل العقول المتوفرة بقدراتنا وفرحت معظمها بالأرباح والوفورات ونمو السوق المحلي. كل صناعة فاشلة اليوم وراءها رجل أناني نظر إلى تحت قدميه ومنافعه الخاصة، وربما شريك أجنبي جاء لامتصاص دعم الدولة محليا واختفى عند تخفيفها أو تقلص السوق. السؤال الأهم هو هل معظم محاولات الدعم الحقيقي من الحكومة حققت المردود الأمثل للاقتصاد؟ وهل الصناعات التحويلية التي تمثل معظم الصناعات وظفت عمالة وطنية ودربتها ووطنت التقنية بشكل مرضٍ؟ في رأيي المتواضع أعتقد أن الصناعات التي نجحت لا تمثل إلا ربع المجمل، وحتى التوظيف لم يرتقِ إلى التطلعات. ولا نلوم أحدا إلا القصور في الانطلاق عالميا وخارج إطار المحلية. العدو الحقيقي للصناعة لم يكن إلا محدودية في الخبرة ورغبة في الانطلاق، ودراسة مقارنة مع دول أخرى مثل تركيا وبولندا وسنغافورة وماليزيا وغيرها يشير إلى أهمية تكامل عناصر النهضة الصناعية، وهي ثقافة متكاملة ترعاها الدولة، لكن يكون كل الاقتصاد موجها في الاتجاه نفسه. مثلا البنوك الخاصة، عندنا البنوك لا تقرض إلا من ضمنت وجود الدولة أو الضامن عند التمويل وإلا فلا. وفِي الواقع تكونت شبكة شبه مكشوفة بأسماء معينة في سوق التمويل البنكي الصناعي. حتى عندما أنشئ بنك الإنماء تحول إلى الشبكة نفسها، وهو بنك قصد به دعم خسائر سوق الأسهم. الإستراتيجية الصناعية الموحدة والمدعومة والممولة والموطنة للتقنية والمتواجدة في clusters مجمعات متكاملة هي التي تنجح، ومتكاملة بتسويق محترف لا انفرادي ومتقطع وشبكات توزيع عالمية لا محلية، المنظومة مقعدة وإن بدت سهلة.